ويل ألكسندر ومعجمه الخيميائي الجديد /محسن البلاسي

هل يمكن للتشويش الممنهج  للغة ووقعها الحسي أن يحدث تغيراً في المستقبلآت  المورفولوچية داخل عقل الإنسان؟ ما هي الذات المعرفية؟  ما هو علم التواصل العصبي؟ 

وما هو علم النفس البيلوچي؟

ما هو الحدس اللفظي؟

ما هو الحدس الشعري   كمساحة  طوبولوجية ترمز لمجموعة من الانفعالات الرمزية ؟

بما أن الكون  لا يقدم لنا سوى أمثلة على استقلالية العقل ، فمن أين يأتي  الخضوع؟

كيف يوجه العقل  ألغازه ويغذيها ؟

كيف نفهم الصدفة الموضوعية  ، وكيف يختبر المرء المستحيل في جسده؟

هل يمكن للكائن التقني أي كان  والمعروف حدوده مسبقاً أن يجيب على كافة الأسئلة التي تتعلق باللاوعي وطاقاته الغامضة وحدسه الشعري؟

كما تعاني الأرض من الانحباس الحراري وأثاره الوشيكة يعاني أيضا عقل الأرض  من الانحباس الفكري والطموح المعرفي لما هو فوق المحسوس 

الحدس الشعري فقط بمفهومه الأشمل  هو ما يسمح بتواجد مثل هذه الأسئلة على السطح

إذن هل يحظى المنطق العقلي السائد الآن بالشرعية اللازمة لدفع المخيلة البشرية نحو تطور جذري في الانصهار الجماعي للخيال  

ربما يكون هذا سؤال شاملا تجيب عليه مقالات كتاب

THE COMING MENTAL Range By Will Alexander.

متلقي هذا الكتاب سيخضع لعملية تحرير شاملة من أركان  نظراته  المعرفية التي تم إرضاعه بها منذ طفولته حيث سيجد قوانين فيزيائية وغير فيزيائية جديدة للعقل وشبكته العصبية والحسية والسمعية ، بل ان تجاوز الحواس عند ويل ألكسندر يطرح مفهوماً تطوريا للمخيلة يفوق ما طرحه سريالين القرن الماضي،. بل فرويد وبريتون مجتمعين

يسقط ويل ألكسندر تماما  في طرحه الفلسفي السياج الفاصل بين ما هو مرئي وسمعي  ومحسوس وربما مخفي أيضا

هذا الكتاب يمثل مانيفستو جذري وراديكالي لإعادة تعريف الفعل الإبداعي طبقا لمساحات غير معروفة للكثيرين داخل العقل البشري 

رقصة فلسفية طائرة وسائلة  بلا أي مايسترو أو اوركسترا أو حتى أوبرا لتحد قدرات هذه الرقصة

تأتي نصوص ومقالات ويل ألكسندر في هذا الكتاب  كإعادة بناء   خيميائية جديدة  لطريقة تواصل الحس الجماعي 

 فالخيمياء  بكل أشكالها و التي يُنظر إليها على أنها كيان غير متزامن ومتعدد الثقافات ، كانت ومازالت  مهتمة بالحالات النفسية التي تحدث في ذهن الممارس أكثر من اهتمامها بالعمليات الخيميائية الرمزية نفسها

وكما يقتحم ويل ألكسندر فرص تأسيس استخدامات جديدة لما بعد العقل الحالي فإنه يقتحم مساحات جديدة لإعادة اكتشاف أجسادنا وعلاقتها بأحلامنا ولا وعينا أي ما يمكن أن نطلق عليه

الشعر بشكله البيلوچي والذي تتشبع به خلايانا العصبية بل وامتدادات هذا الشعر البيلوچي ليتصل بحركة الكواكب بشكل بعضه رمزي والآخر علمي

إن تلك المقالات بتضافرها المتداخل تكسر محدودية الأبعاد الداخلية لوظائف العقل وعلاقتها بسوسيولوچيا المكان

إنه يعود بهذا الأفق إلى تصور قريب لتصور المصريين القدماء الأولي  عن  الأجزاء السبعة للروح

ليصيغ إعادة محاكمة لعلم النفس السابق و المعاصر واخفاقاته ومعادلاته الفقيرة  التي عجزت عن  اكتشاف جوانب مازالت مجهولة داخل الباطن الإنساني الا محدود 

حتى أن اللغة المستخدمة في كتابة المقالات يمكننا أن نجزم  بأنها جائت عن قصد تشويش الوظيفة المعتادة للعقل ومستقبلات 

اللغة داخله

هذا التجاوز للنطاق العقلي لللغة واستخدامها الذي  تفرضه العبودية الحديثة بشتى أشكالها يفتح أبواباً شاسعة لتفكيك كل سجن نفسي محتمل

هذا الغموض العفوي الذهني ليس مجاني في لغة مقالات ويل ألكسندر ، لكنه إدانة واضحة لشتى أجناس سجون العقل، سواء 

على المستوى الاجتماعي او على المستوى الباطني للإنسان نفسه

يعيد ويل ألكسندر في هذا الكتاب  الاعتبار لنظرة   الحضارات القديمة للباطن الإنساني في مواجهة التغريب الذي أحدثه  العقل 

الغربي  الحديث 

لا يستدعي ويل ألكسندر الغموض كأداة تجميلية للغته الفلسفية لكنه ينحت ارتباكاً بغرض الإلحاح والتأويل لكل ما هو مجهول داخل لا وعي الإنسان ليجعل القارئ دائماً في حالة ذهول بسبب ما يجهله عن نفسه وعن  بئره الباطني الخفي

إن أهم ما يسعى إليه ويل ألكسندر  في طريق تحريره للخيال البشري بشكل شامل هو فك الارتباط بين المساحات الباطنية والنفسية وبين تأثير الأداء المحدد مسبقا  للمادة/ الجسد  

ربما نستطيع أن نقول أن ويل ألكسندر يقدم طرحاً يمثل إعادة اختراع جديدة لتكنولوچيا العقل البشري وإمكانياته المجهولة بعيداً عن الصبغات الأيدلوچية المصنعة والتي تكرس لمفهوم سجن الواقعية الموحد بالنسبة للذهن الجمعي

يطرح ويل ألكسندر بشكل مباشر وصريح استحالة استمرار  العقل البشري  في تصلبه والتصاقه بمنظومة القيم التي تلغي وجوده في الأساس أو تبرمجه فقط ليتم استخدامه في مسارات همجية محددة مسبقاً

ويقدم ويل ألكسندر بتنقيباته النادرة داخل العقل البشري إمكانيات جديدة للمخيلة البشرية لاستبدال  الشعر محل الحياة اليومية العبودية  حيث يمكن للعقل الشعري عند ألكسندر  أن يحول  الشرارات التي تنبعث من أي موضوع   يستطيع العقل استكشافه إلى آلاف الصور التي يتكاثر صداها  بلا نهاية داخل اللا وعي الشعري سواء الفردي أو الجمعي بعيدا عن أي محاولات للاحتواء أو الترويض التي يفرضها السوق الاجتماعي

عبر هذه السيرورة  من التشويش للعقل السائد يبني الإنسان العادي أو الإنسان الشاعر  لنفسه مجرات شعرية  مجهولة بالنسبة له تغنيه عن مأساة المنفى الاجتماعي النفسية حيث تبتعد اللغة عن كونها تراكب  مسبق النية

هذا التشريح الكلي والمتقعر والشامل والفريد لطبيعة اللغة ومرونة  استخداماتها البلاغية والشعرية والسمعية  والانتقال بها إلى مستويات نفسية  ومورفولوچية مجهولة هو ما يهتم به ويل ألكسندر في هذا الكتاب

لا يوجد نقطة عليا للغة ورئاتها وعمليات اقترانها وتشعبها  في مفهوم  ويل ألكسندر

إنها كفيزياء النار والماء 

الشعر هو نقيض الإدراك الملموس،. والاستعباد المعرفي السائد

ثم نجد عرضاً وتشريحاً للأعطاب الفلسفية التي أصابت الوعي الغربي والعواقب التي واجهت امتدادات الفكر الأفريقي العتيق لأوروبا الحديثة

يظهر افتتان ويل ألكسندر الواضح بالحضارة المصرية والتقدم الذي وصلت إليه فيما يخص التنقيب في خفايا النفس البشرية

يمكن لهذا السلسال من المقالات ان يكون تأريخاً لنقصان العقل الأوروبي وحصاره بهذا النقصان حيث يسعى ويل دائما إلى استئصال التسميات الخاطئة من تاريخ علم النفس  السائد ومظاهر تعطيل العقل الحديث

مجتمع كيميت المصري القديم هو المجتمع الأكثر وعياً الذي قام بالحفر والتنقيب داخل الطاقة الكهربائية الخيالية للإنسان حتى ولو جاء هذا الحفر بشكل بدائي لكنه يمثل نبتة أولية في تطور علم النفس البيلوچي

حيث استوعب المصريون  من وجهة نظر ويل ألكسندر بشكل أولي وبدائي  أن الغدة الصنوبرية هي “محوّل الضوء الذي يحول الضوء إلى إشارات هرمونية يمكنها فعلاً تغيير شكل ووظيفة الجسم المادي ومستويات الوعي (الروح ، العقل ، الجسد)

يمكن تسمية هذه المقالات بمورفولوچيا الغليان الحسي التي لم يكشف عنها العلم الحديث بعد

لا يقدم ويل ألكسندر خريطة تقريرية لامتلاك حرية زراعة التشويش الكلي للحواس في المحيط الاجتماعي

لكنه يقدم خريطة شعرية لعلم الطيران النفسي

ويعلن ويل ألكسندر بشكل صريح أن تمرده خارج نطاق الغلاف الجوي لأرض العقل الواعي المهجورة لكنه ينتمي إلى البصيرة الشعرية التي تزول  معها التناقضات الأرضية و ينبع منها كل اشتعال نفسي

إنه يدين ويعري حالة الخضوع العقلي التي ينتج عنها بشكل مباشر عبودية كاملة للجسد الجاذب لأنياب السوق

حتى أن ويل ألكسندر يبتعد عن مفهوم السريالية التقليدية في التعامل مع الأحلام واليوتوبيا الملتصقة بها فلا يقدم نفسه كمنتج للكوابيس بل كحارس  للتأجيج الأقصى  للخلايا العصبية المنتجة لما يمكن أن نسميه  بالمخيلة

ثم يوضح ويل ألكسندر كافة الاحتمالات التي يمكن من خلالها تأويل مفهومه عن الشعر والخيال والعالم النفسي للإنسان بشكل خاطئ مما يغلق الباب على الكثيرين الذين قد يصفون طرح ويل ألكسندر بالغرابة أو التعالي الثقافي

نحن أمام حالة ذهنية تبتعد كل البعد عن إمكانية التصنيف والتحجيم والتدجين  تماماً بل وليس لديها إمكانية للهروب داخل حدود نفسها لتصبح جاهزة للتسويق الاجتماعي

يختلف ويل ألكسندر كليا  عن  الكثير من السرياليون المعاصرون في تأكيده الشرس والشاسع  على عجز  الظرف الذي بلغته الطليعة الفكرية  عام 1924  عن اخبارنا اليوم  بشكل التمرد المناسب للعقل اللا واعي  وفقًا لمبادئ التمرد السابقة

وأن العمليات الخيميائية العقلية لا تقف عند شكل زمني أو مكاني  معين بل إن علامات الاستفهام التي تشكلها تمثل في ذاتها طريقاً خيميائياً لا يتوقف عن التشكيل والتغير اللحظي

الطاقة  الخيالية عند ويل ألكسندر لا ترتبط ببنية نظرية محدودة   ولكنها كائن حي  أو ديمومة كهربائية قادمة  من عصور  الإنسان البدائية على الأرض

هذه الطاقة لا يمكن اخضاعها لدراسات استقصائية  مشلولة

يستكمل  ويل ألكسندر بشكل تطوري رؤى روبيرتو ماتا فيما يخص علم التشكل النفسي لكنه يذهب إلى ما هو ابعد من اطروحات ماتا حيث أن  الوقت بالنسبة له  هو  وسيط بيئي وتخيلي  يقبل بطريقة إيقاعية التحولات التي تحدث بسرعات عالية أو ببطئ 

مثل ماتا  فعلم التشكل النفسي عند ويل ألكسندر هو مخطط حر  للتحولات التي يمكن أم يمتصها العقل وتبتلعها العين  وتحولها لطاقات في مظهرها الأولي  داخل التكوين النفسي  للكائن

حدس الشاعر الرائي فقط هو ما يستطيع خلق علاقاته الخيميائية الخاصة مثل بصمة الإصبع

الشاعر الرائي بعيد كل البعد عن طبقة العفن التي تظهر على سطح بحيرة الحكمة بمفهومها السائد

الشاعر الرائي هو مصنع للظلال  النفسية المستمرة والغير منقطعة ولا متصلة

مصنع  يمثل   ينبوع فوضوي وخفي في حد  ذاته حيث تختلط تلك القوى الباطنية لتفتح أبواباً متعددة لتحول أوجه إدراك الوجود ويصبح الواقع فضلات  للخيال وتصبح الحكمة التقليدية مجرد بوق سخيف ومزعج

نجد الحالة الشعرية عند ويل ألكسندر  هي شطح  متقلب يسبح مع حالات التشوه والاحتراق والخطر

رائحة رمزية ولفظية وعصبية تحول  الضعف الإنساني إلى عملاق خيميائي وسط التوحش الإنساني اليقظ  وقوانينه الفولاذية .

من هنا تنبثق مجرة اللا وعي الجمعي وشراينه الكهربائية الموصلة 

اتفق مع ويل ألكسندر في كثير من الأمور أهمها أن نظرتي  للجسد وقدارته الشعرية   تتمثل في كونه  مجالاً خيميائياً نهم للاكتشاف واعادة التحول والتشكل بشكل لحظي

وهو ما لا يبتعد كثيراً عن نظرتي للرغبة والحب بكل أشكالهما

حيث كانت  اللغة الرمزية  للخيمياء الأيروسية دائما تأتي في شكل  مكتوب  أو مطبوع او مرسوم أو  نقوش خشبية أو رسومات  وزخارف. ظهرت مثل هذه الصور لأول مرة في سياق الخيمياء في القرن الرابع عشر. وبحلول القرن السابع عشر ، تم إنتاج كتب كاملة من هذه الرسوم الخيميائية الأيروسية 

لكن ما أميل إليه  أن يكون الجسد في ذاته  هو المساحة الخيميائية التي تستوعب كافة أشكال الحروف والرسوم النفسية الغير مجسدة بشكل فيزيائي في البداية

يدين ويل ألكسندر كافة أشكال الغطرسة الثقافية و الفلسفية السائدة  بل ويدعو إلى إسقاط كل القيم اللغوية التي تتسبب في هذا الانحباس الفلسفي الذي تعيشه البشرية، هذا الانحباس الذي لا يتوقف عن التسرب لكافة  الكائنات الدقيقة لحياتنا  التخيلية

يقدم ويل ألكسندر في هذا الكتاب مصفوفة فلسفية تطرح نطاق لا متناهي لامكانيات الخيال وتأثيراته النفسية /البيولوچية وإمكانيات تشييد جسور لتلك الامكانيات مع الوعي واللا وعي الجمعي 

إننا أمام إعجاز فلسفي/فيزيائي /بيلوچي  جديد كلياً على المخيلة البشرية

إنه يدين بشكل كلي  أطروحات كل من كانط  وهيجل وصورهم على مقاييس  العقل الغربي المستبد بل يدين تاريخ القصور الفلسفي ككل

يوضح ويل ألكسندر أن المستقبلات السمعية والذهنية اليقظة ما هي إلى عزلة مفرطة تؤدي إلى التخشب النفسي على مستوى الفرد لكنها تشبه الحالة الجماعية للمجتمعات الغربية ككل 

يتحد ويل ألكسندر مع منطلقات السريالية النفسية البيولوچية لكنه يختلف تماماً مع السريالية التاريخية حيث تتطور السريالية بمفهوم يسبق نفسه

إن التاج الذي يمكن أن نضعه على هذا الكتاب يكمن في جملة 

( يستحيل احتواء العقل)

Leave a comment