عود ثقاب لم يشتعل قط/إسراء العسال

عود ثقاب لم يشتعل قط

إسراء العسال

حين فقدت حاسه الشم
خلعت عيناي وتركتهم على الطريق
لم أتمكن من العوده
كدمية مفرغه من الداخل
لم يتبقي منها شئ سوى رأس معلق في الهواء
في هذه الأيام أصبحت اتنفس بصعوبة شديده
كعجوز يصعد الدرج ببطئ
لم انظر يوما من العين السحرية
دائما كنت اميل الى فتح الباب على مصراعيه
وهكذا سقطت ذات الرداء
في ماء ضحل
والتفت الديدان حولها
لم أميل يوما الى تذوق الديدان
لكني قتلت بعوضه قتلتها دوما
أميل الى لون الدم على الحائط
تأخرت هذا اليوم عن الثانية عشر بعد منتصف الليل
فتحولت الى ضفدع
لكني اكره الماء كشيطان منبوذ في بحيره
احيانا اعد الأرقام بشكل تصاعدي وببطئ
انظر إلى سقف غرفتي
حيث تسكنه قطره ماء صغيره
انحرفت عن السير أثناء سقوط المطر
فعلقت على سقف غرفتي
ظللت عالقة لسنوات طويله
  سقطت تماما في اللحظة التي نظرت إليها
  سقطت على انفي وبللت
شعرت برائحة المطر
احيانا أشعر انني قطرة عالقه تنحرف عن السير
جدران غرفتي تتسع وتضيق
على حسب البراح الذى يسكن صدري
اظن ان كل شئ يبدأ من الداخل
لذا انا في نقطه ثابته
أذهب الي النوم بعينان مفتوحتان
فأسير على رأسي
وأحيانا على ذراعي
وأحيانا كسمكة صغيرة
بذيل كبير وانف ضخم
ولكني حزينه برغم انفي
في  حديقه منزلى شجرة
لم نكن أصدقاء ذات يوم
لم اعرفها  عن قرب
طوال حياتي اراقبها من نافذة غرفتي
المطله على الحديقة
في الربيع  كانت تتنفس بعمق
كنت اسمع أصوات أوراقها ترتطم بالهواء
كانت ترقص  /تجلب الغناء الى المنزل
فأستيقظ انا في الصباح
على صوت الطيور تعزف اغنية الربيع 
هذه الصورة عالقه في ذاكرتي
وذاكرتي عالقة في جسدي
وجسدي عالق في ممرات نحو الراحلون
بقيت طوال هذه الأعوام عالقة في الممرات الضيقه بين  ضلوعي وزاويه المخ
واجزاء من عظامى الهشه
و قلبي الأزرق الدموي
انا لست بصفاء زرقة السماء
ولست بحمره لون الدم 
انا مزيجا من النار والماء معا
احرقتني الأشياء واحرقتها
كنت انا وانت كمروحتين حول النار
وهذه النار هي الحب
كان مقدرا لأحدنا ان يحترق وانا من احترقت
الجميع هنا لديه موهبة يختارها لنفسه
 بحثت عنها لسنوات
وبعد كل تلك الفصول التي مرت
عرفت ان قلبي يعيش شتاء لا ينتهي
من هنا أدركت ان موهبتي ان ألمس الأشياء الكئيبة
ثمه حزن دفين في روحي
حزن لم أعرف سببه قط
لم أكن سعيده ذات يوم
تساقطت أوراق عمرى الخضراء
وأتي الخريف يعزف الأغنية أيضا 
لكن شتان بين اغنية الربيع واغنية الموت
أراقب الأوراق وهي تتساقط
  ولم استطع فعل شيئا
احيانا استيقظ في الليل  مفزوعه
على صوت قطار سريع
على حدود قريتي قضبان تقول ان قطارا يمر من هنا
ولكني لم أراه يوما
استيقظت مفزوعة مسرعه محاوله الحاق به  دون جدوى
منذ ذلك اليوم وانا  أخشى صوت القطارات والرحيل واللحاق بالاشياء
منذ ذالك اليوم وانا استيقظ في فزع
مسرعة  دوما نحو الأشياء التي ترحل
ودائما دون جدوي
تمسكت بكل شئ ولم يتمسك بي شئ
انا المصلوبة على أمل العودة
انزف الدمع والدم معا فأغرق تماما
انا المنتظر دائما على قطبان القطار
ربما يوما يمكنني اللحاق به
لذا انا أجيد الانتظار
ولكني لا أجيد الاحتفاظ بشئ
فتتساقط اوارق شجرتي التي لا أعرفها
ولم نكن صديقتان ذات يوم وعم الخريف
حاولت إزاحة الأوراق في طريق عودتي
كحشره ملتسقة بسيقان عشب
لمده طويله
تتساقط اجزائي جزاءا وراء الاخر
وعدت الى سريري وأغلقت النافذة
وذبت تماما في ظلام نهاري المشمس
لا شئ يمر من هنا
لا قطار سيقف
ولا قطبان
قد أخبرونا ذلك كي نلحق بالاشياء المستحيلة
ونستمر في السير واللهاث ونعتاد الرحيل
في حديقة منزلي شجره بعمر ابي
لكنها أضخم 
جذورها تمتد إلى قلبي
تحمل المنزل فوقها
إذ سقطت ستهتز كل الأشياء حولى
سأصير بلا مأوي
بلا وطن وبلا هوية
أيتها الجذور التي يرويها دمي
ألم يحن الوقت بعد لأن اترك الأشياء
ألم يحن الوقت للرحيل
 رحل الجميع
وانا بقيت عالقة
اظن أنني شجره
ذات يوما ستمتد جذورى للسماء
وأحمل المنازل
واكون انا الوطن
لكني عالقه في الممرات المستحيلة
الأفكار تطاردني نحو الفسحة البعيدة
  الأفكار المعذبه كنبي
  تخرج من قعر الهموم
الأفكار كمريم تحبل بالمئات أمثال عيسي
ولكنهم مصلبون على الطرقات
في حديقه منزلى شجرة
لو كان لي عمر
يمتد الى الفراغ الأمن في عقلي
لو كان قلبي مازال ينبض بعد كل هذا الألم
لو اتسعت لي الحياه لغلق غرفة في قلبي
يمكنني الاحتفاظ بها 


Roberto Matta

______________

اسراء العسال

ممثلة مصرية ومخرجة مسرحيه
وراقصه مهتمه بالشعر والتصوير والتجريب

Leave a comment