أرجوكم! أوقفوا كل هذا الهراء/نسرين النقوزي  

أرجوكم! أوقفوا كل هذا الهراء.. 

خلقت في الأربعين على أكمل وجه؛ كلما رآني أحدهم أو إحداهن في الشارع، أسمع صرخة إعجاب تخرج من عيونهم. أمشي في الشارع رافعة رأسي بكل فخر واعتزاز؛ فأنا فتاة هذا العصر، فتاة الكمال 

أغير ملامح وجهي حسب مزاجي. أغير لون شعري وتسريحته بكبسة زر. أغمز هذا الرجل الوسيم الذي يمشي في الاتجاه المعاكس فتتحول عيناي من أزرق كلون السماء الباهت إلى أسود متوهج كعاصفة رملية اجتاحت كل البلاد

سأخفي عنه بعضا من تضاريسي الزائدة؛ ترهلاتي رميتها على حافة الطريق وتموهت مع صورة زهرة ندية عودها مرسوم بتقنية خالق ماهر. كل هذا سهل. ممتع بانسيابه. ما أجمل أن أخلق بالأربعين فلا أمر باضطرابات وتغيرات الطفولة والمراهقة

ها هو يقترب مني هذا الجميل! “الله جميل يحب الجمال”، تزقزق العصافير الملونة بهذه الكلمات

وأصبح الرجل الذي يقترب مني رجالا كثيرين. وأصبحنا نساء كثيرات. رمينا القبح خارج لقاءاتنا الزرقاء. تلونا بكل الألوان. “الله جميل يحب الجمال”. والجمال أمسى سهلا لا يحتاج مشرط جراح ولا دعاء الأمهات. الأمر بسيط. كبسة زر، وتعلو ضحكاتنا جميعا. كلنا سعداء

تضحك الأشجار معنا. الأقمار والشموس والمجرات

نقترب من بعضنا أكثر. لطالما تمنينا اللقاء

أشم رائحة غريبة تأتي منهم

يشمون رائحة غريبة تأتي منا

ويشممن رائحة غريبة

ما بي لا أرى إلا بقعة تبوّل على ثياب كل المارة! أحاول التقرب منهم، الحديث إليهم؛ لا أستطيع. نظري يقع على البقعة الصفراء فأشعر برغبة في التقيؤ

أقع فريسة التحليلات والتساؤلات عندها

ما سبب هذا التبول ومن السبب؟ أهو مرض وراثي أم عادة اكتسبها من المجتمع؟ أهو تبول لا إرادي أم مقصود؟ هل البقعة تنتقل معه مع كل ثيابه؟ أم فقط إذا وضع هذا البنطال أو هذا الفستان؟ أهو يعرف بوجود هذه البقعة على مؤخرته عندما يذهب إلى عمله؟ أيجب عليّ أن أقول لهم الحقيقة! أو لا داع للتجريح! فهم ضعفاء، ضعفاء جداً

يجب أن أشغل تفكيري بشيء آخر؛ فالتركيز على البقع يجعلني عدائية معهم دون شفقة. هم يلقون المحاضرات عليّ وأنا أنظر إلى البقعة وأضحك. هم يتوددون وأنا أهزأ بهم

ثم أعود إلى سريري هرباً منهم ومن رائحتهم القذرة؛ فأستفيق كل صباح مهرولة إلى الحمام كي لا يراني أحد وأنا أغيّر ثيابي كاملةً، و قد بللها.. .. .. .. التفكير

ماذا حصل بالمشهد الأول؟ وأين الحقيقة!

تتداخل المشاهد، الروائح، الخيال، الأوهام، الأحلام

صداع ينقر كل صوري

أين هي كبسة الزر؟ كي أضع حدا لهذه المسرحية البائسة

أريد أن أعود إلى وجهي الأول ورائحتي الأولى! أرجوكم! أوقفوا كل هذا الهراء؛ لا أريد فلترة الشوائب مني.

تزقزق العصافير مجددا بلغة صافية

Leave a comment