محاولون نهاية العشرينيات /ملف بحثي /محسن البلاسي

لا يزال هناك الكثير مما يجب اكتشافه وفهمه وتحليله والنبش فيه فيما يخص الحركة الشبابية  الطليعية الفنية والأدبية في مصر منذ نهاية  العشرينيات حتى منتصف ثلاثينيات  القرن الماضي

هذا التيار الشبابي في العشرينيات   ما تم اكتشافه عنه ما زال شحيح جداً ومبهم  على الرغم من كونه البذرة الرئيسية لتشكيل الحياة الثقافية المصرية بشكلها الكلي من نهاية الثلاثينيات حتى حركة الجيش في عام ١٩٥٢ والتغيير الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي مرت به مصر.

لذلك قررت أن أبدأ في سلسلة مقالات  تشريحية وبحثية في أزقة العقل المصري الشاب و المفقود في هذه الفترة. هذا الملف سيكون جزئها الأول وسيليه  أربعة أجزاء أخرى ولن اكتفي إلا بخلق صورة رأسية شاملة قدر المستطاع عن المشهد الثقافي المستقل والشاب  في مصر النصف الثاني من العشرينيات حتى منتصف الثلاثينيات

في عام 1937 ، نشرت  صحيفة البورصة المصرية التي صدرت بالفرنسية تقريرا   عن  صدى نجاح الفعاليات الفنية والأدبية الشبابية في مصر في السنوات العشرة التي سبقت التقرير ووقع هذه الفعاليات في  الصحافة الثقافية في كافة أرجاء أوروبا

ذكر هذا التقرير

الحركة الفكرية للنشر الأدبي  في مصر

الذي   كان عنواناً  أيضا  لملف طويل نُشر في جريدة

“L’Égyptienne”

في العدد التاسع والعشرون

حيث يؤكد انه لا يمكن إنكار  وجود حركة ثقافية قوية  في مصر في هذا الوقت  لكن ليس هناك من ينكر ، من ناحية أخرى أن هذه  الحركة غامضة إلى حد ما ، وغير متسقة مع ذاتها إلى حد ما ، أعلن أحمد رشاد محرر الملف . والمحرر المستقبلي لمجلة

Le Flambeau d’Egypte

 بقلق

ما هو هذا النوع  من  السبات ، إذا تمكنا من التعبير عن أنفسنا بهذه الطريقة ، وفي وسطها تكمن رسائلنا؟ يكاد يبدو أن هذا الغموض كان  السمة المميزة للمجتمع المصري ككل 

 المجتمع غير موجود هنا. نحن نتحدث عن مجتمع منظم ، حقيقي  منضبط ، كامل وليس مصطنع. بالإضافة إلى مسألة التعليم  وتعليم اللغات ، ولا سيما الفرنسية ، فإن الافتقار إلى فئة حقيقية من العلماء يعني أن “كتابنا محبطون ويائسون

وهذا ما أثار قلق الصحفي ، الذي  كان روائيا أيضاً

 ويضيف 

أن هذه الظروف الاجتماعية تجعلنا نتطلع إلى الأعمال الأوروبية على أنها مصادر لا يمكن تجنبها

إن حركتنا الفكرية ، إذا جاز التعبير ، لا تزال في سن مبكرة ، يجب علينا استخلاص المواد اللازمة لتطوير كلياتنا العقلية من الأعمال الجوهرية الموثقة  لمؤلفو أوروبا القديمة

وللتغلب على هذا العيب يقترح  رشاد كحلول  تأسيس مؤسسات أدبية تمنح جوائز ومعاشات للكتاب

وتأسيس أكاديمية عربية للأدب . قبل كل شيء ، يدعو إلى إنشاء مؤسسة أدبية فيقول 

إذا أردنا خلق حركة فكرية ذات قيمة ، فيجب علينا قبل كل شيء

اختيار نخبة من الكتاب الذين سيتعاملون حصريًا مع هذه الحركة  وفق النهج النخبوي والسياسي الذي أدى بالفعل إلى تأسيس مؤسسة مماثلة في مجال الفنون الجميلة

أحمد رشاد

كان أحمد رشاد عضوا  للفرع المصري للجمعية الفنية

“La Lanterne sourde”

التي أنشأها الشاعر البلجيكي بول فاندربورجت

Vanderborght, paraît

 في عام 1926 و أعلن عنها في القاهرة بعد ثلاثة سنوات  بواسطة بعض الكتاب المصريون

في جريدة

L’Égyptienne

 العدد 46  ، فبراير 1929  وسوف يتم ذكرها  مرة أخرى في مارس

1930

 يستكمل رشاد أهداف الحركة  و يستنكر  بشكل خاص عدم وجود مجتمع يختلط فيه العنصر الأنثوي بالعنصر الذكوري، وهو شرط لا غنى عنه في نظره لأي تقدم ثقافي

طالما ليس هناك  مجتمع مختلط  لدينا ، فلن نكون قادرين على ذلك

 من جهة أخرى  يؤكد رشاد 

لا جدال في أن الأميين يكثرون في مصر ، ومن جهة أخرى  المتعلمون في بلادنا قليلون العدد ويهتمون بالسياسة أكثر من الأدب ، وعدم وجود مجتمع حقيقي  لا يمنح [الكاتب المصري] فرصة لخلق عمل اجتماعي ذي قيمة حيث  يجد نفسه مضطرًا باستمرار إلى رسم بعض الصور المزيفة لحياة الفلاح أو حياة العوام ، بكل بساطة

 ويذهب  رشاد إلى حد القول

لا جدوى من إنكار أن اللغة العربية لغة ميتة للأسف. […] لقد شوهت القرون لغتنا الرائعة بل ومسختها . لذلك فإن التنقية والتقطير ضروريان

 لكن بعد ذلك وفي بداية الثلاثينيات فستعلن   التكتلات الأكاديمية و الدينية المحافظة  حربا لا ترحم على اللغة العربية الشعبية المختلطة بالمصرية الخالصة بكافة مكوناتها التاريخية الكثيفة  وسيتم أخيرًا إنشاء مجمع القاهرة للغة العربية بموجب مرسوم ملكي في ديسمبر 1932 ، وسيتم افتتاحه في 30 يناير 1934

يقول الشاعر والصحفي روبرت بلوم  مؤسس رابطة الكتاب المصريين الناطقين بالفرنسية في نفس الملف 

 الآن ، في الصالونات ، لم نعد نتحدث بعد الآن. ولكن هناك العديد من المؤتمرات التي لم يعد الهواة  يجدون ما يسمعونه فيها

 في نفس العام كتبت مجلة إيمدجز

الكثير من المؤتمرات في القاهرة خلال الأسبوعين الماضيين! يمكننا أن نقول أن مجموعة “أصدقاء الأدب  ” الفرنسية كانت في دائرة الضوء ؛ استجاب الشباب المثقف بحماس كبير للدعوات و للأحداث الأدبية  والندوات  سواء من المدرسة الفرنسية بالقاهرة أو من الكتّاب أو من صالون  دار  الضيافة ،

 أيضا لا يجب أن نغفل  دور   جمعية أصدقاء الثقافة الفرنسية التي أسسها موريك برين و الذي كان أول من أعطى طعمًا للندوات الأدبية  في قاهرة العشرينيات  ، من خلال إنشاء

صالون “6-7” في فندق انتر  كونتيننتال سافوي . وعلى وجه الخصوص ، فإن دائرة “الضيافة”  كان المقصود منها على وجه التحديد استقبال المثقفين العابرين في مصر خصوصا في القاهرة . والتي أسسها وتولت منصب   سكرتير عام   الجمعية الشاعرة  نيللي  زنانيري في 26 ديسمبر 1929  حيث كانت توصف فعالياتهم بأنها أحداث  لا تُنسى أيضا  استقبلت الجمعية  بعض المندوبين من  مؤتمر حقوق المؤلف الذي انعقد في القاهرة ، بمن فيهم الكاتب المسرحي الفرنسي رومان كولوس والعالم  المستقبلي الإيطالي فيليبو توماسو مارينيتي . وسرعان ما أصبحت الجمعية   عنصرًا أساسيًا في اهتمامات النخبة في القاهرة وسرعان ما أصبحت حفلات الاستقبال في دائرة الضيافة الأكثر شعبية بين المجتمع الراقي في القاهرة. حيث ساد جو  الود والتميز في هذه اللقاءات ، والجاذبية التي تمنحها نخبة الفنانين   أو الذين يأتون كأصدقاء  لتناول فنجان من الشاي حيث نجد  طابعًا خاصًا يتميز به  هؤلاء المفكريين والفنانيين المصريين والأجانب  الذين وجدوا الترحيب  الذي تم تقديمه من  الدوائر الثقافية المختلطة   في القاهرة  أو التي تمر عبر العاصمة بكل  اختلافاتها  اللغوية والمجتمعية  في ذلك الوقت بدأ تواجد   المشاهير الذين يمرون عبر القاهرة ويأتون إلى  دار الضيافة بالتزايد

نيللي زنانيري ، مجلة أميدچز ١٩٣٠

في عام 1929 زارت  الممثلة الفرنسية الشهيرة سيسيل سوريل الصالون  في منتصف شهر يناير  بالإضافة للحائز على جائزة نوبل للسلام عام 1929 توماس مان ، في مارس 1930 كانت زيارته الاستثنائية للقاهرة . في بداية الثلاثينيات أيضا تعاونت  الصالونات والجمعيات   في بعض الأحيان من أجل إقامة أحداث ذات أهمية خاصة على سبيل المثال استقبل صالون  الضيافة الروائي الفرنسي أندريه موروا  ، بالتعاون مع جماعة المحاولين  بعد بضعة أيام ، في مارس 1932 ، تمت دعوته لحفلة  شاي موسيقية  تعاون في تنظيمها نيللي زنانيري مع مي زيادة وأيمي خير

تم تنظيم حفلات  الشاي في  شرفة برفقة موسيقيين شرقيين  وقد حضر العديد من الشخصيات من نخبة العاصمة ، ووزراء خارجية وسفراء عدة ، وكذلك الشعراء خليل مطران وأحمد شوقي ووجهاء الصحافة في هذا الوقت

كانت حفلات الاستقبال في صالون  الضيافة بالقاهرة تتقرب مع  نشاط جماعة المحاولين وجمعية الكتاب المصريين الناطقين بالفرنسية ، وهما مجموعتان تأسستا التقارب مع بعضهما البعض   في عام 1928-1929

جماعة المحاولين

في ليلة 9 أكتوبر 1927 ، اجتمع  حوالي عشرة أشخاص في كونسرفتوار برجرون في هليوبوليس/ مصر الجديدة

 وهكذا ولدت في هليوبوليس ، في 9 أكتوبر 1927 ، قصة جماعة المحاولين . في هذه الضاحية الخضراء والفاخرة ، التي يعرفها الشباب المنتمون إليها بـ “واحة الملل”  

على يد مجموعة من المثقفين  الاجانب والقليل من المصريين  أبرزهم  جون ليفي وألبرت سالتيل وحين سافرا   أدارها وتزعمها جابريل بقطر  الصحفي والناقد الفني والأدبي بعد ذلك و الذي رأس تحرير المجلة الناطقة بأسم المجموعة

Un Effort

 كما رأس تحرير مجلة الصورة التي كانت تصدر عن دار الهلال باللغة الفرنسية كل أسبوعين 

كانت جماعة المحاولين جماعة  ثقافية فرانكفونية كانت هي الأنشط والأكثر احتكاكا بالتيارات الفكرية الطليعية في  أوروبا في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات  وكانت الجماعة تصدر مجلة

 ( آن أيفور ) كمنبر فكري للجماعة  تصدر كل شهر وأحيانا كانت تصدر بشكل غير منتظم  وقد شارك في هذا المجلة أبرز المثقفين الفرانكفونيين في مصر . كما كانت الجماعة تنظم محاضرات وندوات مستمرة شارك فيها مثقفين أوروبيين بارزين كانوا ممثلين لتيارات أدبية  طليعية في أوروبا وكانت هي التربة الأولية التي نشأت فيها الحركة السريالية المصرية

ففي 9 أكتوبر 1927 ، التقى عشرة أشخاص في معهد بيرجرون في حي  مصر الجديدة  كان ابرزهم جون ليفي والبرت سالتيل  حيث كان ذلك اللقاء هو البداية الحقيقية   لتأسيس جماعة المحاولين    وتركز  النشاط الأولي للجماعة في البداية  في حي مصر الجديدة في القاهرة  حيث يمثل هذا الحي  هوية ثقافية مختلفة . كانت هليوبوليس / مصر الجديدة حيًا جديدًا في الضواحي الشمالية الشرقية للقاهرة ، يربطها  بالقاهرة الأم   الترام كحبل سري . تأسست في عام 1906 عبر  البارون إمبان ، رجل الأعمال البلجيكي ، وفقًا لأحدث مبادئ التخطيط الحضري المطلوبة من الأوروبيين الأثرياء والتي  تم تصميمها خصيصاً من أجلهم احتوت هليوبوليس على  أراضي خضراء واسعة  مخصصة لممارسة  الرياضة

بقعة من الحدائق في الصحراء  تعكس رؤية الشرق في مخيلة الأثرياء  الغربيون

ما يصيب أي روح هنا بالشلل هو هذا النقص التام في الشباب ، وغياب الحماس ، وجفاف القلب والعقل  كما في كل مصر

تم  ذكر هذه الجملة  في البيان الجماعي للجماعة  تحت عنوان

 مراحل  

في الإصدار الخاص   من مجلة

 Un Effort

 الصادر في 18 أبريل 1929

على جانب آخر تؤرخ مجلة

L’Egyptienne

 في عدد   يوليو 1928 ، بداية نشاط المجموعة بعد بضعة أشهر حيث جاء في التقرير

في ربيع عام 1928 ، بدأت مجموعة ناطقة بالفرنسية (تشكلت في الخريف السابق) نشاطها في القاهرة تحت اسم المحاولين

حاولت  مجموعة صغيرة من الشباب من خلفيات ميسورة الحال في العاصمة إعطاء قوة دفع لهذا الجو المميت

كان هليوبوليس حيا معزولا عن بقية المدينة ويمثل  ضاحية غنية ، تضم العديد من الأجانب ، من الشرق والغرب على حد سواء بناه الأوروبيون في بداية القرن العشرين  ، حيث استقرت السلطات الاستعمارية ونخبتها فيه . و بالتالي أصبح حيا للغربيين. لكن الأمر لا يقتصر على ذلك: إنه حي  يعكس رؤية الشرق التي يتخيلها الغربيون. حيث تجد  مباني لها طراز ممزوج ما بين الشرقي والغربي   بشرفات خشبية داكنة اللون وتراسات واسعة

 بدأت الجماعة تصدر مجلة آن أيفور وكانت مواد المجلة معبرة عن نظرة غربية للشرق

كانت المجلة تعبر عن علاقة اعضاء المجموعة والمشاركين في كتابة مواد المجلة مع الفضاء الشرقي الذي يتطورون فيه ،  كانت  علاقة  تشبه النظرة  الغربية لشرق  ألف ليلة وليلة وشرق  المناظر الطبيعية الجميلة ، وشرق الأرابيسك

فعلى سبيل المثال نجد تقريرا على صفحات المجلة من لجنة السيدات في جمعية الموسيقى المصرية ، مكرس للموسيقى المصرية ، حيث تناول التقرير غناء  أم كلثوم

(هذا الشكل من الموسيقى ، الذي يختلف عن ذلك الذي اعتادت عليه الآذان الغربية ، ربما يمثل  حيرة لبعض الناس ، وربما يزعج أولئك الذين لا يستطيعون حب أي شيء جديد . ولكن من المؤكد أن الجمهور كان مهتمًا تمامًا بهذا الحدث ، فقد كان ممتنًا لمنظميه والفنانين  الذين قدموا آدائهم  بحماس كبير  )

ومثال آخر على هذه النظرة الغربية للشرق فنجد  قطعة  سردية  ، نُشرت في مجلة

( آن أيفور ) في عدد 15 يوليو 1930 ،  والتي حملت  توقيع  أ. بيليلوس جاء نصها كالتالي

(عند جلوسي في ترام في خط الجيزة ، كنت محاطا  بالسكان الأصليين. يملأ النساء السود الملائكة الخطوط الغريبة مع الجالبية الفضفاضة للرجال. معظمهم من باعة الخضار العائدين إلى حقولهم ، وملابس ملوثة بالطين والأيدي المتسخة. ينظرون بصمت إلى المشهد الرتيب ،

دخل شاب عربة القطار علينا  . تكشف جلابية  واسعة ملامح المراهق الوسيم ، والوجه المنتظم ، والمظهر المثير للدهشة. يحمل في يده “ربابة” ، آلة موسيقية وترية ، شكلها يذكر بوعاء الحساء. إنه بدوي ، أحد أولئك الرجال الذين يكسبون عيشهم من خلال غناء أعمال  أبو زيد الهلالي  العظيمة والأبطال العرب الآخرين ؛ إنهم يتخلّلون جملهم بتكرار متكرر  على نفس اللحن المتمثل في اثنين أو ثلاثة من المقاطع  الرتيبة )

ومنذ عام  1931  بدأت الجماعة تغير مسارها و تخصص عددا أكبر من المقالات في مجلة آن أيفور  عن مصر والشرق والعالم العربي في مجالات متنوعة مثل التاريخ والثقافة والقانون والاقتصاد. وكثيرا ما قدمت المجلة تقارير عن الرحلات التي قام بها كتاب جماعة المحاولين  في مصر في  قصص تلعب فيها المناظر الطبيعية الخلابة دورا محوريا

وبدأت تدور النقاشات  على صفحات المجلة  حول الشرق وعلاقته بالغرب أولاً من خلال  الخلاف حول الموسيقى ، ثم  امتدت النقاشات  تدريجياً  إلى أشكال فنية أخرى ، ولا سيما إلى الأدب. ثم أعلنت  المجلة عن تأسيس جمعية كتاب مصر للتعبير الفرنسي ، والتي ترحب بالأعضاء وكتب روبرت بلوم  عن الجمعية   

 («سيتم تبادل الأفكار ، ستجري المناقشات ،  سيولد النور الذي  يجب أن يسمح بظهور المواهب وتهدف الجمعية إلى إعطاء صورة أجنبية أكثر فأكثر لمصر  فما هو على المحك هنا هو “صورة مصر” في الخارج ، رابطة كتاب مصر للتعبير الفرنسي تدعي صورة “حقيقية” ، وبالتالي تعارض الصورة الخيالية أو التخيلية التي بناها الغرب )

 و منذ عام  1931 ،بدأت مجلة آن أيفور بمنح مكانًا مهمًا للكتاب المصريين الذين  يكتبون باللغة الفرنسية بالإضافة لآخرون أجانب ، ومن  أبرزهم إليان جيه ، والشاعر والناقد المصري أحمد راسم ، والشاعر الإيطالي  جان موسكاتيلي و  إيمي خير سيدة المجتمع السورية التي  كانت تقيم في القاهرة وأسست صالونا أدبيا  هي وزوجها  ونظمت العديد من الندوات والأمسيات . كذلك كانت تلقي  المحاضرات في الندوات في  الدائرة الكاثوليكية للشباب السوري حول  مواضيع مثل “زنوبيا ، ملكة تدمر ، وچوليا  الإمبراطورة الرومانية” وكان لها مقالات عديدة في صحف مصرية تصدر بالفرنسية

بالإضافة لچين آركاش

 في مايو 1932 ، خصصت لهم مجلة إيمدجز مقالاً هاماً  أجاب فيه المؤلف ألبرت أنكونا ، عضو الجماعة   والأمين العام لدار النشر المهمة “الهلال”  ، على الأسئلة التي أثارتها جماعة المحاولين  بخصوص أهدافهم

في الموسيقى والأدب والعلوم كانوا متأكدين من شيء واحد فقط وجوب قيادة حركة لملئ  الوجود الفارغ  باحتلال النظام الفكري

نعود إلى نهاية العشرينيات

 في يوليو 1928 جاء في  مجلة

 L’Egyptienne

يهدف أعضاء مجموعة المحاولين  هذه والمتعاطفين معها: تنمية الثراء الفكري  الجماعي ، من خلال مساهمة كل منهم”. وقرروا أن “يتضمن كل اجتماع رسمي برنامجًا موسيقيًا “

 إلى جانب الندوات  وحفلات  الشاي او الكحول  والمعارض والتسكعات والنزهات الجماعية ، مما جعلهم اشبه بنادي فكري  قبل كونهم مؤسسة او جماعة  ثقافية وفنية  مستقلة متشعبة   في هذا العقد

قدمت المجموعة  الترفيه الفكري  لأعضائها بالموازاة مع اندماجهم في أنشطة فكرية فلسفية أدبية

كان اغلب أعضاء المجموعة ينتمون  إلى الطبقات العليا في المجتمع المصري

 نجد  مثالاً على هذه النزهات في مقال لألبرت سالتيل  تحت عنوان

Les Essayistes au Sphinx

المحاولين مع ابو الهول

مصحوباً بصورة للمجموعة بالقرب من ابو الهول  ، حيث ذهبوا للترفيه عن أنفسهم  لإحياء عجائبنا من  العصور البعيدة

جاء في مقال سالتيل

كنا  مجموعة من الشباب والشابات الذين أحبوا القراءة […] ، والخلافات حول الموضوعات الأكثر تنوعًا وثراءاً، الاجتماعات  التقينا فيها لتبادل شيء آخر غير مواضيع  موسيقى  الچاز المثيرة .  […] كان ذلك في الظل الفكري  لچورج دوهاميل ، تحت جناح بول ڤاليري

في تلك الرحلة نشر في تقرير المجلة صورة مبكرة جدا للشاعر الشاب ادموند چابس

على جانب آخر في بيان موقع من أعضاء المجموعة نشر في العدد الثاني عشر من  مجلة

 Un Effort

 15 أبريل ، 1931

تحت عنوان  “رسالة من أحد رفاقنا (الأكثر تواضعًا)” إلى بول موراند – الذي اعتبروه 

“رجل القرن العشرين”

يقدم  أعضاء المجموعة أفكارهم  ويقولون

هنا ، سيدي ، ما نحن عليه: شباب من ثمانية عشر إلى ثلاثين عامًا من جميع الأصول ، من جميع العقليات ، متحدون – في بابل هذه التي تسمى مصر – بتقوى متساوية تجاه أشياء الحس والوعي . لدينا طموحات هائلة تتناسب مع حماسنا وحيويتنا

يؤكدون في جزء أخر من البيان 

“اليوتوبيا هي مبدأ كل تقدم وتخطيط  لمستقبل أفضل” ، ثم يؤكدون   إنهم يشعرون “بالحاجة المريرة إلى معرفة الإنسان في جميع مظاهر روحه وفي جميع جوانب نشاطه”

وفي بيان  “خرائط الطريق” ، المراحل

 تسائل  هؤلاء الشباب الباحثين عن أنفسهم: “بشكل أكثر دقة ،و ألم

نرغب ، قبل كل شيء ، في معرفة الإنسان المعاصر ، أي معرفة أنفسنا نحن

 ثم  يعرضون  آفاق مشروعهم الثوري في ذلك الوقت في نفس البيان

 “لمحاولة فتح أبواب الكون لنا ”

في عدد خاص من المجلة التي أنشأوها من عام 1928 ، بعنوان مراحل : 1927-1931

 عادت المجموعة إلى الشعور الذي دفعهم إلى تأسيس مثل هذا المشروع الجماعي فيقولون ، 

“يحرك المشروع شبابنا ورغبتنا في الفرار من” ضمورنا “

 الأدمغة: بدا لنا أن الفرح ينبع من الحركة ، والسعادة من الجهد المتجدد  إلى الأبد ، والجهد في حد ذاته ، بغض النظر عن الهدف […]. طعم الجهد العنيد والفرح المثمر. […] ولأن الفرح يبدو مبدعًا بالنسبة لنا ، فنحن نجعله مادة إيماننا الثانية.

وبمرور عامين وفي عام 1933 أخذ الإهتمام  المتزايد بالشرق ومصر تحديدا يزداد ويتطور  على صفحات المجلة  وفي   يناير 1933،  نشر عدد من 95 صفحة من المجلة تقريراً تحت عنوان

 ” تحية لمصر “

إيصال من مكتبة قطان ناشر مجلة آن أيفور

تكون العدد  من ثلاثة أقسام: الأول يقترح تعريفًا للروح المصرية (4نصوص)

 بينما يجمع الثاني نصوصًا أدبية عن مصر (15 نصًا )،  ومختلفة للغاية عن بعضها البعض ، وآخر يهدف إلى عرض تقدم مصر في مجالات الفن أو الاقتصاد أو الصناعة (6 نصوص). كما أن النص النهائي لجرانت ألكساندر يظهر   مصر على أنها “أرض متنوعة”

كان هناك اتجاه داخل المجلة  لرد مصر إلى تراثها اليوناني و الروماني  لإظهار حداثتها للغرب ، وفي نهاية عام 1933  بدأت جماعة المحاولين ومجلة آن أيفور بالإنفتاح على الفنانين والكتاب المصريين ، وبشكل متزايد ، الرسامين والنحاتين و مع وصول مؤلفين جدد من بينهم جوزيف حبشي ، الذي كان يكتب تحت الاسم المستعار جو فارنا ، وانضمام چورج حنين. بدأت تحدث  طفرة داخل الجماعة والمجلة  فأصبحت المجلة مسيسة وبدأ جابرييل بوكتور يتحدث عن الفلاحيين والفقراء المصريين

وفي أكتوبر عام  1934 ، دعا اسكندر فهمي ، المساهم المنتظم في المجلة ، المصريين إلى رفض اللغات الأجنبية والفرنسية كلغة أدبية شائعة

(نحن في مصر ، لدينا لغة ، وربما غير متجانسة ) لكن هي موجودة بالفعل ، لأنها هي التي نتكلم بها . لماذا نذهب لتعلم لغة أجنبية وتجعلها لغتنا؟ ونحن بحاجة إلى أن نستخدم في مصر اللغة المصرية

وفي عام 1934 أيضا قدمت المجلة تقريرًا عن المؤتمر الأول للكتاب السوڤيت

كما كتب  جو فارنا (جوزيف حبشي ) بعض النصوص المعبرة عن  الرغبة في تجريف وتعرية الخطاب القومي لصالح الرؤية  الماركسية حول العلاقات الطبقية

سرعان ما أصبحت دائرة المحاولين  مكانًا مركزيًا للتواصل الاجتماعي في القاهرة ، كما أشارت مجلة البورصة  المصرية بعد سنوات قليلة

في التقرير الذي كتبه أندريه دي لاوموا ،في جريدة البورصة المصرية تحت عنوان

جماعة المحاولين

لعلية التي أصبحت ناديا

 أيضًا أفضل العقول في القاهرة ، في الأدب أو العلم ، قبلوا  الذهاب والتحدث معهم

والاستماع إليهم ولهم و بعد التحدث معهم وجدنا  المسافرون اللامعون ، الذين يدركون الاهتمام الذي يلقاه مركز الشباب النهم هذا ، يجلسون بسرور سوياً

مع  بداية العقد الثالث في القرن الماضي  بدأت الجماعة تستقبل  دوائر متنوعة من الكتاب والفنانين الأجانب وأحيانا قليلة كتاب  عرب  سواء كانوا مقيمين في مصر أو عابرين  بعقل منفتح على مجالات الامكانيات الفكرية كافة وحرية كبيرة غير مسبوقة  في الوعي والخطاب في ذلك الوقت

 منذ البداية أعلنوا  في ملاحظات تمهيدية في العدد الأول من مجلتهم

جماعة المحاولين

 Un Effort

 انهم  يرحبون  بجميع الاقتراحات وينشرون  أي دراسات غير منشورة

وأعلنوا  انهم  متحررين من كل التبعية التجارية ، كما هو الحال من النية المربحة

يبدوا أن تلك الملاحظات التي جائت في العدد الأول من مجلتهم كانت رسائل  للمجموعات والتجمعات والمؤسسات الثقافية البحثية والفنية الممثلة في مصر

وأهمهم كمنافسين لجماعة المحاولين في ذاك الوقت في النصف الثاني من العشرينيات والنصف الأول من الثلاثينيات

 La Semaine Egyptienne

Le Flambeau d’Egypte

بالنسبة ل

La Semaine Egyptienne

صدر العدد الأول من المجلة في القاهرة في ديسمبر 1926. وكان مترجمًا

بدأت المجلة الاسبوعية المصورة كراصد  مصور للمشهد  الفني والأدبي والمسرحي والمالي والرياضي في مصر. »

بحلول عام 1930 كان لديهم الجرأة أن يكتبوا على غلاف عدد من أعداد مجلتهم

 عبارة« أهم مجلة في الشرق »

 خلال مأدبة نظمت في مايو 1928 في حديقة  جروبي ،ملتقى

المجتمع الراقي لمدينة القاهرة ، صرح أدولف شوال عن رئيس تحرير المجلة

على الرغم من تواضعك ، لا أحد منا يجهل أن الرجل الذي يترأس مصائر الأسبوع المصري هو مثالي. ؛ أنا لا أقول حالمًا ، لأنك حقًا يجب أن تتمتع بالطاقة ، وجرعة قوية من التفاؤل لقيادة الكفاح الجيد لمدة عامين تقريبًا ، على أمل التغلب على اللامبالاة المعروفة ، للأسف ، من مواطنينا

بطاقة عمل الحكيم وريك برين ، محاضر في كلية الآداب في القاهرة ، مدير عام ومؤسس جمعية “أصدقاء الثقافة الفرنسية في مصر” مع نسخة مهداة من رواية عودة الروح لتوفيق الحكيم

ويستكمل

إن التميز والجودة الأدبية الممتازة والتقدم المستمر لـ

 La Semaine egyptienne

 قد أكسبك تعاطف المثقفين بالإجماع ، ونال إعجاب جميع شيوخنا ، الذين سئموا مع ذلك من هذا النوع من النشر ، الذي  كثرت منه الاصدارات العابرة. »

وأخذ يصف  أعضاء مكتب  تحرير المجلة والمؤسسة الثقافية

منذ بداية المشروع  كان لدى المؤسسين أمل أن تصبح المؤسسة  “المرآة المخلصة بشكل متزايد للحياة الحسية  في مصر وضم الأعضاء الأكثر قدرة على إقامة رابطة ثقافية  متينة بين الشرق والغرب”

كما صرح  ستافرينوس اليوناني السكندري 

في خطاب ألقاه  في مأدبة

الأسبوع المصري السنوية ،

في ليلة ١٣ مايو ١٩٢٩ في جروبي أيضا

بأن ما يميز مؤسسة الاسبوع المصري  هو كونهم انتقائيين ولديهم علاقات عالمية جيدة   وليسوا تابعين  لأية مدرسة ، لأي طائفة فلسفية ، لأي كنيسة أو قومية

لذلك وجدت جماعة المحاولين مجموعة مزاحمة لها فيما يتميزوا فيه و سعوا نحو ما يميز هم  عنهم. أيضا نجد جماعة أخرى تزاحم جماعة المحاولين وهي

Le Flambeau d’Egypte

على الرغم من أن المجلة  أصبحت نصف أسبوعية منذ عام 1927 ، وبعد إزالة الإشارات المتعلقة بالمناطق الجغرافية  التي يُفترض ان تغطيها صحفيا     ، احتفظت المجلة  بعنوانها “الأسبوع” كما لو كان بقصد   الحفاظ على ارتباط قوي بالأخبار المحلية. لا جدال في أهمية جودة  تحرير أقسامها  العامة مثل

اخبار مصرية، موسيقي، سينما، اخبار رياضية،

الإعلانات ، حتى لو احتلت الافتتاحية الأدبية الحصة الأكبر من الإصدارات غالبًا ما وصل العدد  إلى أكثر من ثلاثين صفحة. الأسبوع المصري قدمت  نصوصاً تتخللها صور وغالبًا ما تُعرض في عمودين

كانت مساحة  وسط بين مجلات المنوعات العصرية والمجلات  الأدبية  بعد ذلك  قامت

La Semaine egyptienne

 بتغيير تنسيقها في نهاية عامها الأول ، وزادت عدد صفحاتها ، وسعت إلى ضمان وجود أدبي واضح  من  عدد منتظم من المتعاونين المحليين أو الدوليين

مع الاهتمام بالمفكريين الاوروبيين أمثال

 (Goethe، Pouchkine، Duhamel، Lacretelle)

بعد ذلك   ضم (كفافي) ، مبدعون شباب

“نصف محليون” مجهولون منهم الشاعر احمد راسم على سبيل المثال و رسامون وطنيون مثل المصري محمود سعيد

أيضا من أهم الفعاليات التي نظمت  في تلك الفترة   كان  المؤتمر الذي تم تنظيمه حول “وظيفة العقل الفرنسي في العالم الحديث” والذي قدمه جول رومان ،  في مقر المدرسة الفرنسية ( الليسيه) في القاهرة في 17 فبراير 1934

وتناول الكاتب نشاط مجموعة المحاولين ومجلتهم

Un Effort

  التي  نشر على غلافها  كلمات  مكتوبة بخط يد  رومان عرّف فيها مجموعة المحاولين  بأنها ملح مصر كما  نتوقع منهم. حيث يمكنهم فعل الكثير لتحقيق بعض الفهم للوقت الحاضر للأدب الفرنسي في مصر

يقول  أندريه دي لاوموا في مقال بعنوان

“ماء الشباب ” عن جماعة المحاولين في جريدة

البورصة المصرية ، عدد 153 ، 23 سبتمبر 1930 

يبدو أن مجموعة الكتّاب ، التي شكلها الشباب وموجهة إلى الشباب  تملأ الفراغ الذي تشعر به الجمعيات الثقافية الأخرى فيما يتعلق بالشباب.

في هذه الأثناء  حاولت جمعية أصدقاء الثقافة الفرنسية   تزويد شباب الكتاب  بمسكن  للإقامة الإبداعية يجدون فيه الوسائل لتطوير معارفهم وتوسيع ثقافتهم

شرور القرن

في عام 1928 ، عندما تم تشكيل مجموعة المحاولين  ، قام البروفيسور موريك برين ، سكرتير الاتحاد الإفريقي لكرة القدم ، بمبادرة تنظيم  سلسلة من المؤتمرات المكرسة لـ “شرور القرن في   الأعمال الأدبية” ، والتي كانت تدور حول شباب الكتاب

وبالموازاة مع هذا النشاط الثقافي الشبابي في المقابل بدأت تظهر مجموعات جمعيات  شبابية فاشية ويمينية جلبت المواجهة إلى الساحة الثقافية في مصر

 تم تشكيل  جمعية مصر الفتح الفاشية  في عام 1933. هذه الحركة الشبابية تأسست  بقيادة اثنين من طلاب القانون ، أحمد حسين وفتحي رضوان وسرعان ما انضم إليهم عدد جيد من الشباب محدود الثقافة  في مجتمع مصري اتسم بشدة بالسيطرة الأجنبية والأزمة الاقتصادية التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد في بداية الثلاثينيات ثم جاء تأسيس حزب  “مصر الفتاة ” الفاشي   بهيكله شبه العسكري ، بزي رسمي يمكن التعرف عليه من خلال الطربوش و “القمصان الخضراء” التي تميزهم  ، تصدرت  الروح العربية و الإسلامية خطاب هذه المجموعات الفاشية وقد بدأوا الدعوة لتأسيس  ل “إمبراطورية” قومية فاشية تضم السودان أيضًا ثم  تدفق عليهم الدعم الفاشي من أوروبا وبدأ تأثير الحركة بالنمو  تدريجياً

أصبحت المواجهة الفكرية مع اليمين الفاشي والديني واجبة على كل التيارات التقدمية في مصر ومنها بالطبع التيارات الثقافية الناطقة بالفرنسية، ومع الاقتراب من منتصف الثلاثينيات دارت اشتباكات عنيفة بشكل متكرر في شوارع القاهرة والإسكندرية بين “القمصان الخضراء” لشباب مصر الفتاة  ، و “القمصان الزرقاء” للوفد ، دخلت الميليشيات الشبابية  لجماعة  الاخوان  المسلمين كحليف للمجموعات الفاشية وعدو للتيار الليبرالي والتيارات التقدمية اليسارية

 يبدو  أن هذا الغليان الاجتماعي  دفع جماعة  المحاولين للمواجهة  

حيث نشرت الجماعة في مجلتهم

Un Effort

استطلاع عنوانه

 “بين شباب اليوم ” في 1 نوڤمبر 1933   مع التركيز على السؤال :  “كيفية التواصل  الحيوي للشباب التقدمي  المثقف

أيضا قامت الجماعة بدعوة

 هنري بيير ، أستاذ الأدب الفرنسي البارز  في جامعة القاهرة ،  لندوة مناقشة نفس القضية  على وجه الخصوص ، قام هنري بيير  بطرح بعض الملاحظات حول الشباب الأمريكي حيث ألقى باللوم على هذا البلد الكبير  الذي فشل في إظهار الطريق للعالم

بعد عام أعاد  بيير طرح نفس الموضوع لكن هذا العام كان تحت عنوان  “شرور القرن الرومانسي والقلق المعاصر”

في محاضرة ظل  فيها موضوع الشباب محوريًا نقتبس منها

هذا الاضطراب العاطفي ، هذا التمجيد للحساسية ، هذا التحليل الذاتي للإرضاء  الذي  ميز الرومانسيين ، سوف يتجاوز  القلق الأكثر تفاهة  وأنانية لشبابنا المعذب بعد الحرب

 هذا الحكم السلبي والمتشائم على حالة الشباب جاء  أيضًا في  ملف  طويل خصصته مجلة

 L’Egyptienne

 كتحليل لـلحالة الثقافية ل “الشباب الغربي” ، في فبراير 1934 ، على خطى جريدة

Le Temps

و الملفات  الواسعة التي نشروها عن الوضع الثقافي  للشباب  المعاصر في جميع أنحاء العالم

مرة أخرى  يظهر قلق موريك برين في بقية الملف   ، وهو الشعور الذي نشأ أيضًا في أصل دراسة أخرى ، أجراها فريق التحرير السكندري في مجلة

 La Bourse egyptienne

 في أبريل 1934 ، حول هذا الموضوع والذي تم تعريفه على أنه “مشكلة جدية راهنة تحت عنوان

فائض إنتاج الشباب الخريجين في مصر

كانت  المثالية اليوتوبية التي تحرك الشباب في جماعة المحاولين  على وجه التحديد هي السبب في  تجسيد هذا التعافي تجاه القيم التي من شأنها أن تكون القيم الحقيقية للروح الشبابية في مصر . يوضح  تبادل الرسائل بين ألبرت سالتيل  ، المؤسس الأبرز لجماعة المحاولين   والرسام الشاب لوران مارسيل ساليناس ، في مايو 1932 ،  القناعات العميقة التي تحرك جماعة المحاولين فبعد عودة  ساليناس من فرنسا  انضم إلى دائرة من الشباب قريبة من جماعة المحاولين

ولد مارسيل ساليناس في الإسكندرية عام 1913 لأم فرنسية وأب إيطالي  وتلقى تعليمًا مكثفاً وسافر كثيرًا ودرس القانون واندمج سريعا في الأوساط الثقافية في  الإسكندرية  لكن  كان شغفه الحقيقي هو الرسم ، وفي أوائل القرن العشرين انتشر في  الإسكندرية  وسرعان ما تردد عليها ساليناس

أمضى ساليناس سنوات البلوغ المبكرة بين فرنسا ومصر و عرض أعماله بشكل متكرر في أتيليه الإسكندرية إلى جانب فنانين مصريين مثل محمود سعيد ومحمد ناجي. بعد ثورة 1952 وأزمة قناة السويس ، أصبحت الحياة صعبة على نحو متزايد بالنسبة للأجانب المقيمين في مصر وطُرد العديد منهم وصودرت ممتلكاتهم. غادرت والدة مارسيل وزوجها ، مثل كثيرين آخرين  البلاد

أولئك الذين عرفوه جيدًا يتذكرونه كناقد ذكي ومقنع ، ومستعد دائمًا للتوقف أمام لوحة ومناقشة الخيارات المرئية التي قام بها الفنان الذي يتناول لوحته  . يبدو أن ساليناس كان مفتونًا بالرسم القديم والحداثي على السواء

في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي ، حصل ساليناس على وظيفة في ورشة للطباعة الحجرية ، ونفى في باريس ويئس في الحصول  على ما يكفيه  من المال  وسرعان ما أصبح خبيرًا الطباعة الحجرية في باريس . لقد احتفظ  مع  الطباعة الحجرية بنفس الشغف والصرامة اللذين كانا سمة ممارسته للفن التشكيلي 

واصل ساليناس الرسم طوال العقود الأخيرة من حياته ، حيث أمضى بين باريس ونيويورك ، وبين بروكسل وسانت لويس محعظم أوقاته  حتى  توفي  في عام 2010

في عام 1932 تواصل سالتيل مؤسس جماعة المحاولين مع ساليناس ليبين له الفرق بين جماعة المحاولين وأي جماعة أخرى، كان هذا بعد عودة ساليناس مباشرة من فرنسا حيث حصل على شهادة في القانون

 نُشرت تلك الرسالة في

Dans les jardins d’Académos.

 عدد 26 ، يونيو 1932 وجاء فيها

أعتقد أن شيئًا واحدًا يميز  دائمًا بوضوح جماعة المحاولين .  في مصر ، الشباب الذين يفكرون ، بعيدًا عن أي مركزية  للعمل ، وليسوا في الجزء من العالم حيث يمكن للمرء أن يشعر بضربات قلب الإنسانية ، يتفكرون بالأفكار . في حين أن الشباب الذين تعرفت عليهم في فرنسا يريدون التفكير من أجل التصرف بشكل أفضل

فيرد سالتيل برد مضاد   يوضح فيه  ميزة الجماعات  الفكرية المصرية الناشئة في مصر فيقول

أعتقد ، على العكس من ذلك ، أن المرء يشعر بالقلب النابض للإنسانية أينما كان هناك بشر يفكرون ويراقبون. بل إننا  في مصر ، مميزون بشكل خاص ، نجد أنفسنا بعيدين بما يكفي عن الصراع  دون الخضوع له وقريبين بما يكفي لفهمه والسيطرة عليه. […] علاوة على ذلك ، – وهو امتياز يحسدنا عليه كثير من الأوروبيين هناك – نحن نفرك أكتافًنا هنا بآلاف الأجناس ، وهذا يعوّدنا على إعطاء معنى أوسع لكلمة “حضارة”

لكن على جانب آخر كان سائداً في الأوساط الثقافية المصرية رؤية أن الشخصية الشبابية المصرية في بداية الثلاثينيات تمثلها كائنات سطحية في بلد ، على حد تعبير ساليناس ، “لا شيء يدفع الشباب فيه  إلى العمل

طبقا لملاحظة إدجارد جالاد في العدد التاسع من  مجلة

Un Effort

فقد تفاجأت جماعة المحاولين  بمجهود شبابهم المتحمسين وجاء أيضا على لسان سالتيل في العدد الثامن من مجلة

Un Effort

فيقول

في محيطنا ، نلاحظ أكثر فأكثر أن المخزونات  الهائلة من الإخلاص  والشجاعة لرفاقنا الشباب ، غالبًا ما تحل محل التجربة المتذمرة والشكوية للناضجين

كما تلاحظ السيدة سيزا نبراوي في مقالها بعنوان

“الشباب الغربي” ، في العدد التاسع والتسعون من جريدة 

L’Égyptienne

فبراير  1934

فتقول

“شباب اليوم أقل أنانية وأكثر قدرة من شيوخهم في المبادرات الجريئة ، والانفجارات الجميلة  ، يظهر الشباب للعالمي الاضطراب  والألم اليوم مثل اللمعان الفائق الذي ينير الهاوية. نجد  الجرأة التي أظهرها الكاتب جورج حنين ، في عدة مجالات ، منها  نشره في مجلة

 Un Effort

 لنص مستوحى من مقال

  “الرحمة الكبرى   لشباب العالم “

تتحدث سيزا عن مقال لجورج حنين ، نشر في العدد الثامن والأربعون من مجلة

Un Effort

في نوڤمبر ١٩٣٤

كان عنوان مقال چورچ حنين

 “انعكاسات شاب تقريبي جدًا ” ،

كانت تلك الأيام هي بداية سطوع نجم چورچ حنين في الأوساط الثقافية القاهرية

عبر حنين في هذا المقال عن  الارتباك الذي يعاني منه هذا الشاب الذي تحدث عنه  في المقال  ولديه “انطباع مميز بأنه غير ضروري ، وغير مرغوب فيه ، والثالث عشر على الطاولة”

 ثم يلخص  المعضلة التي يجد هو ورفاقه أنفسهم يعيشون فيها فيأتي في المقال

 الشباب؟ كل شيء ينغلق في نهجه. ولن يفتح أي شيء إلا بإكراه الأقفال. […] الشباب  في مصيدة فئران ،  لا يمكنهم العودة أو المضي قدمًا. أو بالأحرى نعم. يمكنهم التراجع ، لكن بفضل الانتحار. يمكنهم أن يتقدموا  ، لكن بفضل الثورة. إن الانتحار لا طائل منه  – الثورة مفيدة ويعاقب عليها القانون . في مواجهة هذه المزالق وغياب المُثُل ، يتطلع الشباب إلى “العيش وفقًا لضميرهم ، وليس وفقًا لعجينتهم” ، وهو شيء أصبح صعبًا للغاية ومأساويًا لدرجة أنه يسلب القيمة والقوة. المثالية ”

 بدأ الشاب چورچ حنين في منتصف الثلاثينيات  في طرح  أو نقل  رؤى  تطمح  في  الخلق من جديد ، لتجديد العالم المتهور أو بالأحرى إعادة خلق الثقافة المصرية فيقول في مجلة آن أيفور 

اليوم ، في اللحظة المحددة التي تسعى فيها جميع القدرات وكل الجشع إلى إصلاح آلة اجتماعية وصلت إلى نهاية مجراها ، ليس من الضروري الإصلاح أكثر من ضرورة الخلق  . إنه يدخل روحًا جديدة في مادة جديدة. وسيكون هذا هو الدور الملحمي للشباب المعاصر ، الدور الذي يُحرم منه لأنه خطير ولأن كبار السن الراسخين في سلطاتهم […] يمقتون الخلق والخطر

 لإلهام روح جديدة ، لمحاولة خلق طريق  محفوف بالمخاطر ، والأمل في تجديد البلاد ، يقترح الشباب  الذين يحركون جماعة المحاولين  على وجه التحديد أن يصبحوا هذا “النور الأسمى الذي ينير الهاوية” التي تحدثت عنها السيدة سيزا  نبراوي

قام حنين باهداء المقال إلى  لويس روجير ،

 كان لويس روجير أستاذًا للفلسفة في مدرسة ليسيه شاتوبريان في روما من عام 1921 إلى عام 1924. وكان لديه علاقات قوية مع المؤسسات الثقافية والتعليمية  الفرنسية والتقى بچورچ حنين حين كان طالبا في الجامعة

في  فبراير 1926.  تم تعيينه في كلية بيزانسون ، وانتدب للجامعة المصرية عام 1932  ومباشرة بدأ نشاطه الثقافي في القاهرة وبدأ يكتب للمجلات الناطقة بالفرنسية

كان له سفريات عديدة إلى روسيا وما حولها

قام  لويس روجير  بتنظيم ندوة   في أكتوبر 1934 ،  حول الاستطلاع الذي أجراه في العديد من بلدان أوروبا الوسطى حول ” شباب اليوم”

كانت هذه الندوة هي أول ظهور له بعد عام من الغياب عن القاهرة

كان هذا النشاط ما بين عامي ١٩٢٨ وعام ١٩٣٥ هو البذرة الرئيسية مع صالون ماري كاڤاديا لوجود السريالية في مصر

وكان الإلهام الأول لاطلاق تجمعات سريالية أخرى لاحقاً بعدها بثلاثة سنوات

مثل مجموعة “الفن والحرية عام ١٩٣٨ أو  صحيفة دون كيشوت قبلها بعام

 لكن لا يقتصر دور جماعة المحاولين المهم على هذا

نجد هذا في تقرير لمجلة البورصة المصرية الناطقة بالفرنسية  عن  الثروات الفكرية التي تملكها الجماعة حيث يقوم التقرير  بتشريح ما يميز تلك الجماعة عن الفئات الأدبية الأخرى المعاصرة لها  . جاء التقرير في ١٨ أكتوبر ١٩٣٤ تحت عنوان

جماعة المحاولين /جهد وندوات

عرفت القاهرة   العديد من الدوائر الأدبية  . كان وجودهم دائمًا سريع الزوال. سقط منهم الكثير من الأسماء في  طي النسيان. أي من هذه الدوائر وصلت إلى السنة العاشرة؟ لا أحد.. بأية معجزة نجا المحاولين  وحدهم؟ مع صندوق فارغ دائما؟ دون تلقي أي دعم – وحتى أقل من ذلك – بلا  دعم أي شخص؟

لكن بالطبع لم يكن تيار جماعة المحاولين هو الوحيد الذي خلق  هذه الرياح التنويرية لكن ما زال هناك الكثير ليشكف عنه

Leave a comment