عن مخيلة الديچيتال آرت وخطوط معرض أوان لإيمان أبو الغيط / قراءة تحليلية تصورية /أحمد فرحات

عن مخيلة الديچيتال آرت وخطوط معرض أوان

لإيمان أبو الغيط. *

قراءة تحليلية تصورية،

أحمد محمد فرحات*

يشغلني بشكل كبير البحث في كيف تعمل رؤوس المشتغلين بحقل االإنتاج الإبداعي، في كيف تتحرك تروس العقل لتنفتح المخيلة البشرية، في كيف يمكن للمبدع أن يمنح العالم قبلة كصورة تشكلت في مخيلته كفكرة تضخ الدم في أوردته الذئبية لاقتناص تلك اللحظة الممكنة والوحيدة للقفز بين الواقع والتخييلي، قفزة تعني منتج إبداعي مشوق ومحفز للمتلقي على طرح أسئلته بخصوص هذا الوجود المرئي، الوجود البصري الحقيقي والفعلي المنتقل من خيال المبدعين لورقة الواقع.

في كل عمل فني، وبالضرورة، يتشكل قانون خاص يمكن من خلاله للمتلقي/ القارئ/ الناقد، التعامل مع المنتج النهائي، قانون ينخرط المبدع في بناء فروضه النظرية فيما تتسم مخيلته بالقدرة على الانطياع لتطبيق الفروض النظريه في عملية خلق تنقصها الروح، التي، لاحقا، يمكن أن تُبثّ من خلال جودة خيال المبدع في تحريك الخطوط لينبني الشكل المتحرك من مصنوعه الخيالي، ففي كل عمل فني، وكضرورة، ينبغي أن تنساب العناصر ليتحرك العمل ككائن حي يتنفس، يطرح رؤاه، ويواجه الواقع.

ولما كان الإطار، في مجمله، يغلق حدود العمل الفني سواء مرئي، مكتوب، أو مسموع، فإن احتمال استخدامه يكون ضمن مخطط الفروض النظرية لقانون العمل الفني بما يضيف، وهو كمعيار قيمة للحكم مبدئيا على موهبة المبدع وقدرته على التماشي مع ضرورة خلق الصورة كما أنتجها الخيال الفطري، أو لنقل كما تصورها فيما قبل الانوجاد على ورقة الواقع. 

القصد من الإطار، ليس هذا المعنى الشائع للخطوط المحددة للشكل من الخارج، بل إطار تكوّن الخط ذاته داخل العمل الفني؛ الإطار كما في لوحات إيمان أبو الغيط، هو جزء أصيل وفعلي وحقيقي داخل اللوحة، اللوحة المصطنعة من الخيال للتجريب، ومن ثم في مرحلتها الأخيرة لصناعة الصورة الكلية المستهدف وصولها بمعناها وشحناتها الفنية، النفسية والخيالية، إلى عين المتلقي؛ محاولة واضحة لعملية نقل الشعور بالفكرة داخل المخيلة فيما قبل الإنتاج، إلى الشعور بالتلقّي، وهذا الإطار الحي الذي شكلته أبو الغيط في معظم لوحات معرضها الشخصي الأول، هو نتاج عملية تجريب طويلة تابعت معظم مراحلها فيما قبل الوصول إلى محطة بناء كتلة عرض كلية، يمكن تقديمها كجرعة

متماسكة تُري بها المتلقي صورة واضحة وجلية عن تركيب الصورة الفنية في الدماغ الإبداعي. 

يتشكل الإطار، ذلك الذي عرفته، في لوحات إيمان أبو الغيط من خطوط انسيابية، تتميز بالحركة غير المنضبطة، حركة صنعها تنفيذ اللوحات بشكل يخالف العادة في استخدام مواد وخامات حية، تنفيذ ديچيتال، باستخدام مواد وخامات الوسيط الإلكتروني، والمثير هو انضباط عشوائية الخط أثناء حركته سواء الامتدادية أو الدائرية، انضباط عشوائي يلفت انتباه المتلقي، كعتبة يُجرّ منها، ليحاول تصديق إمكانية تنفيذ أفكار اللوحات داخل وسيط إلكتروني دون اللجوء إلى مرحلة وسيطة أولية باستخدام خامات الورق والأحبار كمثال؛ فتشكّل هذا الإطار جاء كضرورة لظهور الفكرة كما لو أنها لوحات خُططت بحركة اليد فوق الخام الحي، بل كضرورة ترتبط، كليا، بصناعة (الديچيتال آرت)، الفن الحداثي، الذي يخرج عن عرف العادة في المدارس الفنية المتحققة والمعروفة؛ إذ يعتبر هذا الخروج محاولة تجريب أكثر إثارة من التجريب الفني الحي على الخامات وبالمواد الملموسة، وزاد من رسوخ التجربة، عمليات التحرير النهائية للوحات، عند التحضير للعرض، وتعديل مساحات اللوحة ودرجة نقاء اللون والخط/ الإطار الفني الداخلي، كما أنها ضمن القانون العام المسبق للأعمال قررت ألا تؤطر اللوحة في خطوط خارجية، مُحررة العمل الفني من كل الحواجز البصرية.

٢

خديعة، تبثها اللوحات على سبيل التمويه، ولنقل، أيضا، على سبيل تجميل القبيح الذي يعتمل داخل الذهن، والخديعة بالطبع لا تنطلي على قارئ اللوحات الخبير بلغة الفن التشكيلي، لكن مع وسيط حداثي، كما في لوحات الديچيتال آرت، يكون المتلقي رؤوفا بالمساحة التشكيلية حتى أن إرهاصه عنها، يمكن أن يتعدّى محاولة اراء الفنان المحدودة لمتلقيه.

في لوحات العناصر أو الموضوعات، يتوه الإطار الذي بنته التشكيلية، لذا استعاضت عنه بتقنية الإلصاق، أو الكولاچ كتطبيق آخر جديد يدخل لعملية صناعة الديچيتال آرت، إلصاق كل الوصوف الممكنة ومخيلات الصور والأخبار، والمزج لإنتاج محددات/ إطار آخر يوازي الإطار الواضح في لوحات الوجوه. 

يتجلّى عنصري الصوت بإيقاعه والزمن المرئي في لوحات معرض (أوان)  لفنون الديچيتال آرت، في كون ضمير الفم/ الأنا، يتحدث، يروي ويعبر في بعض اللوحات ليعيض عن الحركة التي تلجأ للمكان الاستاتيكي المعهود في اللوحات المعتمدة على وسيط ملموس، أو لنقل في لوحات التعبير المنطقي؛ إذ يمكن إدراج فنون الديچيتال في حلقة المدارس السوريالية، بما تبديه لوحات هذا الفن (معرض “أوان” كمثال وتطبيق هنا)  من تجريد واضح ونقل حي للصورة الذهنية إلى وسيط حداثي خارج عن المألوف والنمطي في التشكيل المنطقي.

بالعودة إلى الصوت؛ في بعض الكتل التشكيلية داخل المعرض، نجد أن صوت الفم للوجوه التكرارية، يعبر في كل محاولة وضمن إطاره الخاص، عن مشاعر يمكن للمتلقي ابتكارها لتشكل جملة يسمعها بإيقاعها وحالة الراوي فيها، مما يجعل بعض الكتل ضرورة متلازمة بتشكيل محدد يجب قراءته ككتلة.

ومن ثم، وطالما تحركت اللوحة تحركا معبرا، كاملا؛ إذا فهي قد تزمّنت، ودللت زمنيا عن بغض السيميائيات المحفورة سلفا في رأس المُشكّل. وهو هنا ما برر لفن الديچيتال إزالة عنصر الإضاءة من اللوحة (رغم الشعور به في بعض اللوحات، لوحات العناصر) وإلغاء مكانية الفن كعنصر، ما حاولت إيمان أبو الغيط تعويضه في لوحتين تقريبا خلال الكتلة العامة، لفتح رؤى عديدة وقراءات متنوعة لمجمل العرض. 

بقى أن أشير إلى الصانع الماهر، النهائي، أو المحرر، الذي صاغ كل المادة في صورة متكاملة شديدة النقاء والجودة وقابلة للعرض والاقتناء.

• ببلوغرافيا التشكيلية المصرية، إيمان أبو الغيط؛

– مواليد المنصورة، مصر، تشرين أول.1969.

– شاركت في معارض جماعية بمصر ضمن مجموعات متنوعة. 

– تجربة مطبوعة في معجم للوحات البحر المتوسط ضمن معرض للوحات حوض البحر الأبيض المتوسط في آيطاليا. 

– مدير لمكتبة المنصورة العامة، والمدير الحالي لمكتبة مصر العامة بالمنصورة، محامية سابقة، فنانة تشكيلية، ومصمم أغلفة كتب. ولها عدة تجارب في العمل العام والتنشيط الثقافي الحر.

– معرض شخصي وحيد (أوان) 2022، لفنون الديچيتال.

• أحمد محمد فرحات؛ قاص وروائي، ناقد فني ومحرر أدبي، له عدة مقالات منشورة في النقد الأدبي والفني ودراسة عن الموسيقى الإثنية، تُرجمت بعص المقالات لصالح كتب ومجلات ودوريات متخصصة.

Advertisement

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s